لئن شكلت زيارة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لولاية لعصابه استثناء – من حيث الكم البشري الذي استقبل فخامته، وامتدت طوابيره من المطار إلى المنصة الرسمية بساحة الولاية- فقد كانت هذه الزيارة فرصة للقاء مواطني الولاية بفخامة رئيس الجمهورية. وقد حرص فخامته كل الحرص على الوقوف لما يربو على ساعتين متحملا الحر والجو المغبر، الذي كاد يحجب لون بذلته، دون أن يمنعه ذلك من المصافحة والإنصات لمشاكل أكبر طابور بشري يشهده مطار الولاية في تاريخه.
وقد كان لي شرف استقبال فخامته استقبالا مكنني من رصد بعض الملاحظات، وقد أردت من خلال هذا المقال مشاركة القارئ الكريم بعضها.
لقاء المواطن والاستماع لمطالبه
من السوانح الرائقات تلك التي أتيحت لبسطاء الولاية، ومتعففيها بكل أطيافهم وشرائحهم، حيث حطت طائرة صاحب الفخامة صباحا، واستمر في مصافحة مستقبليه، منهيا مصافحة كل الحاضرين المصطفين داخل ساحة المطار وخارجها، مصغيا لكل منهم على حدة، بعد أن أصر على الوقوف للاستماع لمطالبهم دون تمييز، معطيا في الوقت ذاته تعليماته لمعالي الوزير مدير الديوان السيد المختار ولد أجاي بتسجيل تلك المطالب، وأخذ أسماء، وأرقام هواتف أصحابها، سبيلا للعمل على التجاوب معها في أسرع الآجال.
استفادة الولاية من حزمة مشاريع تنموية
وحيث إن طابع الزيارة كان عمليا بامتياز، فقد اتسمت بإطلاق حزمة من المشاريع التنموية الحيوية، وتدشين مشاريع تنموية أخرى، ستمكث في الأرض. كان منها مثلا لا حصرا:
– تدشين 60 وحدة سكنية من مشروع بناء 368 وحدة سكنية، في إطار السكن الاجتماعي، الذي تشيده المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء “التآزر” في جميع عواصم ولايات الوطن.
– إطلاق برنامج الأنشطة المدرة للدخل المخصصة للشباب، والذي تم خلاله تمويل 285 نشاطا إنتاجيا.
كما شهدت الزيارة:
– تدشين مخزنين مركزيين لمفوضية الأمن الغذائي من الحجم الكبير، بسعة 30000 طن لكل منهما، لتعزيز القدرة التخزينية للبلد، وذلك ضمن مشروع يجري في إطاره تشييد شبكة مخازن جديدة تصل 33 مخزنا للمفوضية في جميع الولايات، بطاقة تخزين استيعابية تناهز 135000 طن، ما سيرفع الطاقة التخزينية للمفوضية بنسبة %107، ويمكنها من تلبية احتياجات تخزين المواد الغذائية، فضلا عن تلبية الاحتياجات المتزايدة في مجال قدرات التخزين لصالح البرامج الاجتماعية للدولة.
وفي إطار توجيهات فخامة رئيس الجمهورية في لگراير عام 2022 – خلال إطلاقه لفعاليات الحملة الزراعية في المناطق المطرية – المتضمنة بيان أثر غياب المكننة الزراعية، واعتبارها عائقا كبيرا في تنمية هذا النمط من الزراعة، أعطى فخامته إشارة انطلاق عملية إدخال المكننة الزراعية للمناطق المطرية، التي يشرف عليها قطاع الزراعة، فتم اقتناء عدد كبير من الجرارات الزراعية بلغ جزءها الأول 81 جرارا بكامل ملحقاتها، تستفيد منها الولايات ذات الطابع الزراعي، وفق المقدرات الزراعية لكل ولاية، من خلال توقيع اتفاقيات مع رؤساء الجهات دعما للامركزية والتنمية المحلية، تقريبا للخدمات من المزارعين.
وقد شهدت الزيارة تدشين مشروع لزيادة إنتاج الماء الصالح للشرب في عاصمة الولاية، انطلاقا من حقل بوگادوم، ما سيوفر كميات جديدة تصل إلى 2000 متر مكعب في اليوم.
وقد كانت الزيارة ترياقا لسكان ولاية لعصابه، فتم تدشين المركز الجهوي لنقل الدم، الذي يعتبر أول مركز جهوي في بلادنا، وثاني مركز يتم إنشاؤه على المستوى الوطني، وذلك بعد إنشاء المركز الوطني لنقل الدم في انواكشوط عام 2002. ومن المنتظر أن يمكن هذا المركز من تزويد ولايات الحوضين وتكانت ولعصابه بمشتقات الدم، والصفائح الدموية، والبلازما الطازجة المجمدة، كما أن لديه القدرة على تفكيك العناصر المكونة للدم وعزلها عن بعضها، الأمر الذي لم يكن متاحا خارج العاصمة انواكشوط.
كما تم وضع الحجر الأساس لمركز معالجة وطمر النفايات، وكذا إطلاق حملة “كيفه مدينة نظيفة”، بالإضافة إلى تدشين ساحة الشعب بالمدينة، يضاف لما سلف مشاريع أخرى قيد الدراسة كالطرق الحضرية، واستصلاح وتنمية وادي لمسيلة، وهي أمور سيكون لها الأثر الإيجابي على حياة سكان الولاية.
ومن اللافت حرص فخامة رئيس الجمهورية، خلال تفقده لهذه المشاريع التنموية الكبرى على الوقوف على مدى مطابقتها للمعايير الفنية المطلوبة.
كواليس بعيدة عن الإعلام
من الكواليس التي طبعت زيارة فخامة رئيس الجمهورية لولاية لعصابه، وشدت انتباهي، وأردت مشاركة القارئ الكريم وقعها، تاركا له حرية تقديرها ما حدث مع أحد المواطنين البسطاء الذين طرحوا مطالب على رئيس الجمهورية. حيث خاطبه الوزير مدير الديوان – بعد كتابة اسمه في لائحة سطر فيها كل المطالب مع أسماء، وأرقام هواتف أصحابها بأمانة، وحرفية، ومهنية فائقة – قائلا: أعطني رقم هاتفك، فرد المواطن بالقول: إنه لا يعرف رقم هاتفه، مسلما هاتفه للوزير مدير الديوان، قائلا له: اتصل على رقمك لتعرف رقمي، وهو ما استجاب له الوزير بسرعة، ولباقة، مع بشاشة لم تفارق محياه.
ومنها أيضا حرص تلامذة محظرة عبد الله ولد سيدي يحي على الاصطفاف على الطريق المؤدية للمحطة الأخيرة من الزيارة، حاملين ألواحهم، فترجل فخامة رئيس الجمهورية من السيارة لتحيتهم، رغم حرارة الجو، وضغط الوقت، ليلتحم به طلاب من مختلف الشرائح في لوحة من أجمل ما يكون، مرددين اسمه استبشارا بتواجده بينهم، وتثمينا لحنوه عليهم.
وعند المنعرج المؤدي إلى المكان المخصص لوضع الحجر الأساس لمركز معالجة وطمر النفايات اصطف جماعة من البسطاء حاملين لافتة، عند المنعرج المؤدي إلى عين المكان، مرحبين بفخامته، ومطالبين بتوفير مياه الشرب لهم، فترجل نحوهم، وحياهم، واستمع بترو، وتؤدة لمطالبهم، متعهدا بتلبيتها، تاركا أثرا طيبا في نفوسهم، وارتياحا لم تخفه أوجه هؤلاء البسطاء، الذين أكدوا وقوفهم إلى جانب فخامته، وبذل كل الجهود سبيلا لإنجاحه في مأموريته الثانية، التي يرونها الضامن الأوحد لمواصلة مسيرة البناء والتعمير في البلاد.