مقال: الإستراتجية الوطنية لإصلاح العدالة و العمل / د.محمد محمد المهدي عبد الجبار
شهد وطننا في السنوات الأخيرة تحسنا ملحوظا نتيجة السياسة الرشيدة المتبعة في الإستراتجية الوطنية لإصلاح العدالة، تنفيذا لتوصيات الأيام التشاورية لإصلاح العدالة والتي شارك فيها ممثلون لقطاع العمل، وخرجوا لتوصيات لم تطبق لحد الساعة على مستوى قطاع العمل، وموريتانيا كغيرها من دول العالم التي اتبعت استراجيات ممالثة خاصة في العقدين الماضيين بداية مرحلة جديدة مرتبطة بحقوق الإنسان، حيث شهدت المزيد من الأهمية تجلت في اهتمام الرأي العام الوطني و الدولي، إن أهم المقاربات العالمية حول إصلاح العدالة تقوم أساسا على تجسيد استقلال القضاء، فابعتبار الحكم الرشيد، و هو الحكم الذي يوسع من قدرات البشر وفرصهم وحتى حرياتهم الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و المدنية و الثقافية جعل الكثير من الدول تعتبره بمثابة الحل لتحقيق الإصلاحات المرتبطة بقطاع العدالة، و التي تهدف أساسا إلى تعزيز حماية الحقوق.
وترجع أهمية إصلاح العدالة إلى أهمية القضاء في حياتنا اليومية و ما له من دور فعال لحماية و تعزيز حقوقنا، هذا القطاع الذي يعتبر الملجأ الأخير للفرد من أجل استرجاع حقوقه المسلوبة حتى و إن كانت من النظام السياسي و أجهزة و سلطات الدولة.
فإن كان هذا القطاع غير مستقل باعتباره فقط وظيفة من وظائف الدولة، أو باعتباره مسيسا لا يحكم وفقا لأحكام القانون و المنظومة التشريعية الدولية، فإنه لا يمكننا الحديث على ضمان حقوق الإنسان في ذالك البلد.
ولتحقيق تطوير العدالة يتطلب استقلاليتها وذالك بعدم تدخل أي سلطة في الّدولة في الأحكام التي تصدر عن القضاء، سواء كان ذلك بفرض أحكام معينة أو بالتأثير على القضاة من أجل إصدار أحكام قي قضايا محددة، أو منع إصدار القضاة لأحكام في قضايا معينة، أو حتى إعاقة تنفيذ أحكامه.
فالقضاء من الأركان الأساسية للّدولة، لكونه يسهر على فرض احترام القانون من قبل
الجميع، دون أن يميز بين الأشخاص على أساس الّدين والّلغة أو الرأي السياسي أو غيره، هو الذي يعمل على حماية الأفراد والجماعات من الظلم والتعسف، ويوقف الانتهاكات على حقوق الأفراد وحرياتهم، إلاّ أّن القضاء لا يمكن أن يحظ بثقة المواطنين، ويؤدي دوره في إحقاق العدالة، ما لم يكن قضاءا مستقلا.
مّما لا شك فيه أّن تحقيق العدل مرتبط أساسا باستقلال القضاء، وذلك بابتعاد القضاة عن تأثير غيرهم من أصحاب النفوذ، مّما يفرض الأمن بين الناس، وذلك لأن صدور الأحكام على خلاف الحق، سيرتب ضرورة الناس وبذلك يفقدون ثقتهم بالأحكام التي تصدر عن القضاة، وبالتالي سيحاول كل إنسان أن يأخذ حقه بنفسه وبيده، مما يساعد على تفشي الفوضى بين الناس، ولذلك وجب حماية القضاء و إبعاده عن السلطات الأخرى، وتوفير ضمانات كافية للقضاة حتى لا تتدخل أي سلطة في أحكامه كما أن الاستقلال القضاء دور أساسي وفعال في عدة مجالات متعلقة بإدارة الحكم ومنها:
– تقوم حقوق الإنسان، وتعتمد في جزء منها على ضرورة وجود سلطة قضائية مستقلة عادلة ونزيهة وقوية، تستطيع وضع كل السياسيين والاجتماعيين محل المحاسبة.
– كما أن أهمية استقلالية القضاء أيضا تؤدي إلى تحقيق الاستقرار السياسي والعدالة.
– يسـاعد مبدأ استقلالية القضاء على تنمية اقتصاديات الّدولة بصفة قوية وسليمة، و يساهم في ضمان سيادة القانون مّما يقضي على الظلم وعلى الحكم التعسفي، وضرورة استقلاله عن السلطات الأخرى، لما لتلك الاستقلالية من تأثير على نمو الاقتصاد وازدهاره.
– يساهم في سيادة القانون، حيث أن القضاء هو المخّول بتطبيق القانون، ولذلك يكفل احترام القانون في العلاقات فيما بينهم وبين الحكام، وما دامت الّدولة تقوم أساسا لحماية المجتمع وضمان حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، وجب عليها حماية القضاء وضمان استقلالـه.
ولتحقيق إصلاح العدالة في وطننا الغالي سعت الحكومة إلى إعطاء العدالة أهمية بالغة لضمان استقلال القضاء، ونظامه لإداري والمالي، وليمكنهم من التمتع بحياة كريمة ويساعدهم على مقاومة الضغوط، والذي يكفل لهم عدم الوقوع كأسرى لمصالحهم الشخصية.
إلى أنها تركت جانبا من العدالة دون محاولة تحسينه رغم نكره في توصيات الأيام التشاورية لإصلاح القضاء، وظل هذا القطاع في وضعيته دون تحسين ورعاية، منذ الإستقلال تقريبا لحد الساعة، والذي يتضمن جانبا من العدالة هام و التي يشرف على تطبيقها مجموعة من المفتشين ومراقبي الشغل، والتي تشرف على حل مجموعة من النازعات بين العمال و أصحاب العمل، بالطرق الودية سواءا كان النزاع فرديا أو جماعيا، ومحاولة التسوية بينهم حتى تتحقق العدالة بين أطراف ليسوا في مستوي متقارب من حيث القوة والضعف ومكلفون بتطبيق مدونة الشغل و قانون الضمان…… وغيرهم وفقا لما تنص عليه للقوانين والنظم المعمول بها في الجمهوية الإسلامية الموريتانية، إضافة إلى دور التفتيش عن الإنتهاكات التي قد تحدث داخل المؤسسات الخاصة والعامة ذي الطابع التجاري، إضافة إلى دور قطاع العمل في نجاح بيئة صحية و طبيعية لمزاولة النشاط التجاري والإقتصادي وخلق بيئة فرص العمل……وتنفيذ معایير العمل في مكان النشاط الاقتصادي و أمان العمال من خلال تفتيش في مجال الصحة والسلامة المهنية، وعليه فنتيجة لهذه الأهمية التي يقوم بها قطاع العمل الذي يعتبر جزء لا يتجزء عن العدالة، وعليه فيجب إدماج هذا القطاع في استراتيجيات إصلاح العدالة، وذالك لكون القطاعين العدالة والعمل يسعان في تحقيق العدالة وذالك لتوافقهما لتحقيق عدة أهداف منها:
– تقويم حقوق العامل في بيئة العمل، وعليه فيجب ضرورة وجود سلطة مستقلة عادلة ونزيهة وقوية لدى المفتشين والمراقبين، تستطيع وضع حد لأصحاب رؤوس الأموال في حالة سعيهم إلى خرق قوانين العمل،
– كما أن إعطاء ضمانات مادية ومعنوية لقطاع العمل وإدراجه في استراتجية إصلاح العدالة أهمية بالغة في استقلالية مفتشي ومراقبي القطاع، هذه الاستقلالية تؤدي إلى تحقيق الاستقرار السياسي والعدالة، من خلال رضى العاملين عن العمل وجو العدالة في محيط العمل، وهو ما يقلص النزاعات والإضرابات العمالية،
– هذه الضمانات سابقة الذكر ستؤدي إلى التنمية لاقتصاديات للدولة بصفة قوية وسليمة، وتؤدي بثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب في فعالية قوانين العمل ومدى تطبيقها على أرض الواقع، وهو ما ينعكس على الاقتصاد والمجتمع عموما،
– وأيضا ستؤدي إلى سيادة القانون، وذالك بتطبيق القانون المخالفات على أرباب العمل الذين لا يحترمون القوانين العمل.
وعموما فإن إصلاح العدالة دون إصلاح قطاع تفتيش العمل بمثابة إصلاح عدالة تسير برجل صحيحة وأخر معاقة، وهو ما لوحظ من خلال الضمانات التي أصبح يتمتع بها قطاع العدالةوالتي قطعت أشواطا بدون النظر إلى قطاع العمل، وهو ما تجسد من خلال التحسين الملاحظ على مستوي ضمانة إستقلالية القضاء والذي نشيدون بها على مستوي الكادر البشري، حيث أصبح مرتب قاضي فرد يتجاوز ستة مفتشين أو سبعة مراقبين، إضافة إلى عدم تطبيق توصيات الأيام التشاورية لإصلاح العدالة في جانبها المتعلق بقاطاع العمل، وهو أمر يجب النظر فيه لإصلاح هذا القطاع الهام وذالك من خلال تحقيق العدالة على مستوي أكثر النزاعات على المستوى الوطني، وهو مايقع بين العامل ورب العمل وأهمها على المستوى الإقتصادي و الإجتماعي وتحقيق الأمن ورضى الواقع المعيشي ومنع الإطاربات و الشعور بالغبن والإطهاد.
الكاتب : الدكتور محمد محمد المهدي عبد الجبار (مفتش شغل)


