كانت فكرة الاحتفال بعيد العمال، فاتح مايو، مقترنة بالصورة التي طبعت في ذاكرة طفولتي وأنا تلميذ في المدرسة الابدائية. صورة عن الفرح والاحتفال، وطوابير العمال يمرون في الشارع الكبير.
شاهدت الطبيب يلبس بدلة بيضاء ملطخة باللون الأحمر والبناء يحمل آلاته والحداد يجلس على عربة وأمامه آلة عمله والجزار يحمل سكينا والخباز وعمال مؤسسة البريد(البوسطة) والمزارع والمعلم يحمل أقلاما………!
كانت الطوابير تمر في أجواء جميلة وأنا أستمتع مع شلة الأطفال ونضحك كلما مرت مجموعة من العمال.
جئت إلى العاصمة بعد الباكالوريا وحضرت احتفالات العمال بفاتح مايو مع أحد أصدقائي ( شرطي اليوم)، كانت التظاهرة أكبر لكنني لاحظت أن وجوه العمال لا توحي بأن الأمر مناسبة للفرح والسرور.
اليوم أدرك حقيقة هذا العيد والاحتفال، وأشاطر العمال مطالبهم، اليوم أدرك أنها مناسبة للتنديد بالأوضاع المزرية التي يعيشها العمال، اليوم فقط أدرك أن الأرباح لأرباب العمل والأغنياء أما العمال فهم آلة ووقود العملية.
عندما تتجول في العاصمة نواكشوط تعرف أين يسكن الأغنياء وأرباب العمل، وأين يسكن العمال والفقراء ، أحزمة الفقر التي تلف العاصمة هي وجه للغبن وغياب الإرادة والرؤية…!
إن الأغنياء هم من يخلق الأزمات الاقتصادية، فلماذا يدفع العمال. فاتورة الأزمات الاقتصادية .
العمال هم فئة الفقراء، هم سواعد البناء، يعيشون ظروفًا صعبة قبل التقاعد وبعده يحسبون في فئة الفقراء.
إن عيد العمال مناسبة تذكر بالوجه البشع للرأسمالية المتوحشة.
في بلدنا يحتاج الموضوع إلى مراجعات وإصلاحات لتصحيح أوضاع العمال وانتشالهم وحمايتهم من سطوة وجشع رجال الأعمال, وهذه مسؤولية الدولة.
وفي هذا الإطار أقدم إقتراحا من عدة نقاط يمكن أن تساهم في وضع رؤية جادة إذا توفرت الإرادة:
– مضاعفة الحد الأدني للأجور.
– مراجعة نظام التقاعد ، فهو يخلق عشرات الفقراء سنويا.
– تخفيض الضرائب على الرواتب.
– تنظيم القطاع الخاص وفرض الإكتتاب فيه بشفافية.
– تخفيض نسبة أرباح البنوك على القروض إلى 3%.
– بناء تجمعات سكنية يدفع ثمنها بأقساط شهرية مريحة.
– وضع معايير واضحة للتقدمات في الإدارة بحيث تكون تلقائية بدل تركها لأهواء المسؤولين.
– تخفيض أسعار مواد البناء وخاصة الأسمنت.
– محاربة مظاهر البذخ وغلاء المهور في المناسبات الاجتماعية.
– التركيز على التكوين المستمر للعمال دخل البلد وخارجه للتصدي لزحف العولمة والذكاء الاصطناعي.
– تخصيص علاوة للبناء لا تقل عن 15 مليون لكل موظف.
إن إرتفاع معدلات البطالة والفقر في صفوف العمال وتدني الأجور وضعف القوة الشرائية للمواطن، تشكل عائقا أمام التنمية والبناء والانسجام الاجتماعي……!
عيد العمال ليس مجرد عطلة رسمية بل هو فرصة للتأمل في قيمة العمل وأهميته في حياتنا.
في هذا اليوم يجب أن نعبر عن تقديرنا العميق لكل عامل وكادح. يجب أن نسعى لتوفير بيئة عمل آمنة وعادلة لهم وأن نضمن حقوقهم وكرامتهم.
فلنجعل من هذا اليوم بداية لتقدير دائم للعمل والكادحين ولنعمل معا من أجل مجتمع يقدر قيمة كل جهد مبذول ويثمن كل مساهمة في بنائه وتقدمه.
إن هذا الوطن الذي لاوطن لنا غيره، يستحق جمع جهودنا في جو ملؤه الوطنية، والعدالة، والمساواة، والإنصاف، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.