معرض المخطوطات الموريتانية في كتارا: كنوز حضارية تعبر الصحاري إلى العالمية

استضاف الحي الثقافي كتارا في قطر معرضًا فريدًا من نوعه، يحتفي بمجموعة من أندر وأثمن المخطوطات الأدبية والتاريخية القادمة من موريتانيا، المعروفة بلقب “بلاد المليون شاعر”. تبرز هذه المخطوطات كجسر معرفي يربط الماضي بالحاضر، حاملة في طياتها إرثًا علميًا وثقافيًا يمتد لقرون عديدة.

مخطوطات نادرة تعكس حضارة القلم

يضم المعرض مجموعة من المخطوطات الموريتانية والعربية والإسلامية، التي تشكل سجلاً تاريخيًا ومعرفيًا نادرًا. ومن بين المخطوطات المعروضة:

  • تفسير ابن عطية الأندلسي (481هـ-541 هـ)، الذي يعود إلى أكثر من ثمانية قرون، وهو أحد أهم كتب التفسير في الغرب الإسلامي، حيث وصفه ابن خلدون بأنه جمع بين أهم التفاسير السابقة وقدمها بأسلوب تحليلي دقيق.

  • مخطوط العلامة الموريتاني حبيب الله بن القاضي، وهو شرح على مختصر خليل في الفقه المالكي، يُظهر استمرارية العلم والمعرفة في الأسرة العلمية الموريتانية.

  • مخطوط عثماني يعود لعالم القراءات مصطفى الإزميري، الذي عاش في القرن الـ12 الهجري وأصبحت كتبه مرجعًا في علم القراءات بعد ابن الجزري.

  • رسم نادر للحجرة النبوية الشريفة والمسجد النبوي، يعود إلى ثلاثة قرون، ويعتبر من الكنوز الفنية والتاريخية الفريدة.

حفظ التراث للأجيال القادمة

أكد عبد الله ولد محمد بلال، رئيس جمعية المخطوط العربي والمحافظة على التراث في موريتانيا، أن المخطوطات المعروضة ليست مجرد كتب قديمة، بل هي “ملك للأمة”، مشددًا على أن مهمة الجمعية هي الحفاظ على هذه الكنوز، وحراستها، وإتاحتها للأجيال المقبلة وللباحثين، نظرًا لقيمتها الثقافية والتاريخية التي لا تقدر بثمن.

وأشار ولد محمد بلال إلى أن بعض المخطوطات الموريتانية تعرضت للضياع أو التلف بسبب الإهمال أو العوامل المناخية، مما يجعل توثيقها وحفظها مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الباحثين والمؤرخين.

عشق الموريتانيين للعلم والمخطوطات

من بين القصص المؤثرة التي أُعيد تسليط الضوء عليها خلال المعرض، هي قصة الشيخ سيدي ولد عبد الله، العالم الموريتاني الذي أهداه حاكم مصر محمد علي باشا فرسًا سوداء نفيسة من سلالة كحيلات مصر، لكنه بدلاً من الاحتفاظ بها، قام ببيعها لشراء كتاب “الحطاب”، وهو من أهم المراجع الفقهية. وظل هذا الكتاب متوارثًا في عائلته حتى اليوم، في دلالة على عشق الموريتانيين للعلم والمعرفة.

تحديات جمع وحفظ المخطوطات

بدوره، شكر محمد الهاشمي، مسؤول العلاقات العامة في الجمعية، الحي الثقافي كتارا على استضافة هذا المعرض، مشيرًا إلى التحديات التي تواجه الباحثين في الحصول على المخطوطات، والتي تتطلب سفرًا وجهودًا مضنية، نظرًا لندرتها وقيمتها الكبيرة.

وأكد الهاشمي أن بعض المخطوطات يتم العثور عليها في ظروف صعبة، حيث يحتفظ بها أفراد وعائلات في مناطق نائية، مما يستدعي مفاوضات طويلة للحصول عليها وحفظها في أماكن آمنة.

إرث ثقافي عابر للحدود

لا يمثل المعرض مجرد عرض لمخطوطات قديمة، بل هو احتفاء بإرث ثقافي غني يعبر الحدود، ويعيد تسليط الضوء على دور موريتانيا كمركز إشعاع علمي في العالم الإسلامي. فمن خلال هذه المخطوطات، يمكن للباحثين والمهتمين بالتراث العربي والإسلامي التعرف على أعماق الفكر الإسلامي، وتطور العلوم، ودور العلماء في حفظ المعرفة ونقلها عبر الأجيال.

ويؤكد هذا الحدث أن المخطوط العربي لا يزال حيًا، متجددًا، وقادرًا على الإلهام، وأن الجهود المبذولة للحفاظ عليه تسهم في صون هوية الأمة وتراثها العلمي والثقافي.