محمد ولد بوعماتو: من معلم إلى إمبراطور اقتصادي في موريتانيا

محمد ولد بوعماتو هو أحد أبرز رجال الأعمال في موريتانيا ومن أكثر الشخصيات تأثيرًا في الاقتصاد الموريتاني والإفريقي. وُلد في عام 1953 في موريتانيا، ومرت حياته بمسيرة استثنائية بدأت في مجال التدريس، قبل أن ينتقل إلى عالم الأعمال ويصبح من أكبر رجال الأعمال في البلاد. بجانب نجاحاته الاقتصادية، برز أيضًا كمساهم رئيسي في مجال العمل الخيري والإنساني على المستويين المحلي والدولي.

البداية والنشأة

وُلد محمد ولد بوعماتو في عام 1953 في موريتانيا، في وقت كانت البلاد تمر بتحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة. نشأ في بيئة متواضعة حيث بدأ مسيرته المهنية في مجال التدريس. رغم النجاح الذي حققه في مجال التعليم، إلا أن طموحه الكبير دفعه إلى البحث عن فرص جديدة في عالم الأعمال منذ سن مبكرة. في العشرينات من عمره، قرر أن يتوجه إلى مجال التجارة والاستثمار، ليبدأ رحلة بناء إمبراطوريته الاقتصادية.

التحول إلى عالم الأعمال

انتقل محمد ولد بوعماتو من مجال التدريس إلى عالم المال والأعمال في مرحلة مبكرة، وكان له رؤية بعيدة المدى في استثمار الأموال وتوجيهها نحو قطاعات حيوية للاقتصاد الموريتاني. بدأ مسيرته التجارية بتأسيس مجموعة من المشاريع الصغيرة، ولكن مع مرور الوقت استطاع أن يبني إمبراطورية اقتصادية ضخمة شملت مجموعة متنوعة من القطاعات.

بنك موريتانيا العام (GBM): في عام 1995، أسس محمد ولد بوعماتو بنك “موريتانيا العام” (GBM)، الذي أصبح واحدًا من البنوك الرائدة في البلاد. ساهم البنك في تعزيز الاستقرار المالي في موريتانيا وفتح آفاقًا جديدة للاستثمار والمشاريع الاقتصادية.

شركة ماتل للاتصالات: في عام 2000، شارك محمد ولد بوعماتو في تأسيس شركة “ماتل” للاتصالات، التي كانت من أولى شركات الاتصالات التي ساهمت في تحسين خدمات الاتصال في موريتانيا. لعبت “ماتل” دورًا محوريًا في توفير خدمات الهاتف المحمول في الوقت الذي كانت فيه هذه الخدمات في مراحلها الأولى في البلاد.

تنوع الاستثمارات: لا تقتصر استثمارات محمد ولد بوعماتو على المصارف والاتصالات فحسب، بل تشمل أيضًا العديد من المجالات الاقتصادية الحيوية مثل العقارات والطاقة. لعبت هذه الاستثمارات دورًا كبيرًا في تعزيز النمو الاقتصادي في موريتانيا وتحقيق الاستقرار المالي في المنطقة.

التوجهات السياسية والمواقف المثيرة

لم يكن محمد ولد بوعماتو بعيدًا عن الأحداث السياسية في موريتانيا. في عام 2008، دعم بقوة الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز في انقلاب 2008، وكان له دور فاعل في تمويل الدعم المالي والتسويقي لهذا الانقلاب. ولكن هذه العلاقة لم تستمر طويلاً، حيث نشب خلاف بينه وبين الرئيس ولد عبد العزيز بعد عامين من الدعم، ليجد نفسه في مواجهة مع النظام.

المنفى والعودة إلى الوطن

بعد خلافه مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، اضطر محمد ولد بوعماتو إلى مغادرة موريتانيا في منفاه القسري، حيث قضى عدة سنوات في فرنسا والمغرب. خلال فترة المنفى، ظلَّ على اتصال بموريتانيا، وكان له دور في عدد من القضايا السياسية والاقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي.

في عام 2019، وبعد انتخاب محمد ولد الشيخ الغزواني رئيسًا للجمهورية في موريتانيا، قرر محمد ولد بوعماتو العودة إلى بلاده في مارس 2020، حيث تم استقباله بحرارة وسط تقدير شعبي واسع لعودته.

العمل الخيري والإنساني

تجاوز تأثير محمد ولد بوعماتو حدود عالم الأعمال ليشمل المجالات الإنسانية والخيرية. في إطار اهتمامه بتحسين أوضاع المواطنين، خاصة في المجالات الصحية والتعليمية، قدم محمد ولد بوعماتو دعمًا كبيرًا لمشاريع التنمية في موريتانيا وأفريقيا.

مستشفى العيون: أحد أبرز المشاريع الخيرية التي أطلقها محمد ولد بوعماتو كان إنشاء “مستشفى العيون”، الذي يقدم خدمات طبية متخصصة في جراحة العيون وفحص النظر. يقدم المستشفى استشارات طبية للعيون بما يقارب 511,222 استشارة سنويًا، بالإضافة إلى إجراء أكثر من 34,408 عملية جراحية. ويشمل المستشفى أيضًا علاجات لتقويم البصر تصل إلى 239,566 حالة، مما جعله واحدًا من أهم المراكز الطبية في موريتانيا.

حملات مكافحة الرمد الحبيبي: لقد نظَّم محمد ولد بوعماتو العديد من الحملات لمكافحة الرمد الحبيبي في موريتانيا، وكذلك في دول مثل ساحل العاج والنيجر. هذه الحملات كانت تهدف إلى الحد من انتشار الأمراض المتعلقة بالعيون وتحسين صحة المواطنين في تلك البلدان.

مواجهة جائحة كورونا (كوفيد-19): خلال جائحة كورونا، ساهم محمد ولد بوعماتو في دعم جهود الحكومة الموريتانية لمكافحة الفيروس، حيث قدم مساعدات طبية ودعماً لوجستيًا في وقت كانت فيه البلاد بحاجة ماسة إلى الدعم.

مؤسسة تكافؤ الفرص في إفريقيا: في عام 2015، أسس محمد ولد بوعماتو “مؤسسة تكافؤ الفرص في إفريقيا”، وهي منظمة خيرية مرخصة بالقرار الملكي رقم WL22/16.610 بتاريخ 10 أغسطس 2015. تهدف المؤسسة إلى دعم المشاريع التي تساهم في تعزيز التكافؤ بين الأفراد في القارة الإفريقية، بما في ذلك مشاريع في مجالات التعليم والصحة والعدالة وحقوق الإنسان. تم إطلاق المؤسسة رسميًا في 18 يناير 2016 من مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل.

دعم تمكين المرأة

كان لمحمد ولد بوعماتو دور بارز في دعم تمكين المرأة على مختلف الأصعدة. فقد قام بالعديد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز دور النساء في المجتمع وتوفير الفرص اللازمة لهن لتحقيق إمكاناتهن.

على المستوى المحلي: ساهم في بناء وتوسيع قسم الأمومة والطفولة في مستشفى الشيخ زايد في عام 2004، مما ساهم في تحسين الخدمات الصحية للنساء والأطفال في موريتانيا.

على المستوى الإقليمي والدولي: على المستوى الإقليمي، قدم دعمه لتمويل مركز للإيواء في المغرب، والذي يهدف إلى توفير أماكن إقامة للطالبات الراغبات في مواصلة دراستهن. كما أسهم في بناء مدرسة الفتيات الريفيات في ساحل العاج، والتي تهدف إلى تعزيز التعليم للفتيات في المناطق الريفية.

كان له دور فاعل في مؤتمر اليونسكو حول تعزيز تمكين النساء وتشجيع روحهن القيادية، حيث دعم بشكل مباشر الفعاليات والبرامج التي تسعى إلى تعزيز حقوق المرأة في إفريقيا والعالم العربي.

الخاتمة

يُعتبر محمد ولد بوعماتو شخصية استثنائية في موريتانيا وفي القارة الإفريقية بشكل عام. من خلال نجاحه في عالم الأعمال ومساهماته الكبيرة في مجال العمل الخيري والتنمية، تمكن من ترك بصمة كبيرة على المستوى المحلي والدولي. قصته هي مثال حقيقي على كيفية الجمع بين النجاح الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية. ومن خلال مشاريعه التجارية والخيرية، يستمر محمد ولد بوعماتو في إحداث تأثير إيجابي على حياة الملايين من الأشخاص في مختلف أنحاء العالم.


بقلم علي محمد امليويح

رئيس تحرير موقع لبراكنة بوست