نصيحة للرئيس الموريتاني المنتظر فوزه في رئاسيات 2024 / الامانة بن إبراهيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الرئيس المنتظر: وفقك الله وسدد خطاك، وانطلاقاً من مبدإ النصح لكل مسلم

فإني أقدم لك هذه النصيحة أذكرك من خلالها،{فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.

عليك ـ أولا ـ أن تحمد الله تعالى على نعمه عامة، وعلى هذا الفوز خاصة.

 

واعلم أن الله تعالى أكرمك، وابتلاك بهذا المنصب، فاستعمل نعم الله في مرضاته، واستدم ما آتاك من النعم بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وتذكر قول سليمان عليه السلام حين قال: {… هذا من فضل ربي ليبلوني آشكر أم أكفر}، وتذكر حال قارون {إذ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين}.

 

ولتتعظ بمن كان قبلك, قبل أن يتعظ بك من بعدك, فقد باد من سبقك من الملوك الجبابرة وطوت الأيام ذكرهم، وإنما المرء حديث بعده * فكن حديثا حسنا لمن وعى.

 

واعلم أن صلاح الأمة مرتبط بصلاحك، وفسادها مرتبط بفسادك، فالرعية في الغالب على دين الملك, إن صلح صلحت, وإن فسد فسدت, وإن رغب هو عن العدل رغبت هي عن الطاعة، فالسلطان بمنزلة السوق التي يجلب إليها الناس تجارتهم, فإن كان برا أتوه ببرهم, وإن كان فاجرا أتوه بفجورهم.

 

وإذا أردت الفلاح في الدنيا والفوز في الآخرة فأدِّ حقوق الله عليك وأدِّ حقوق عباده، وابن سياستك على الشرع والعدل, لا على إرضاء رغباتك واتباع الهوى، وشاور العقلاء فما ندم من استشار، إن المشاور إما صائبٌ غرضاً * أو مخطئٌ غير منسوب إلى الخطل، واحرص على رعاية مصالح المسلمين، واستعن بأهل التجربة والخبرة.

 

واعلم أن أسعد الحكام من سعدت به رعيته, وأشقاهم من شقيت به, وأنك راع ومسئول عن رعيتك وفيهم (الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ)، وإني أنصحك باتباع السنة وتفقد أحوال الرعية، والاطلاع على سيرة الخلفاء الراشدين المهديين وغيرهم من الزعماء المصلحين ممن يقتدى بهم ويهتدى بهديهم.

 

لا تلن للناس فيمرحوا في المعاصي، ولا تشق عليهم فتحملهم على المهالك، سُسْ خيار الناس بالحزم والمحبة, وامزج للعامة الرغبة بالرهبة, وسس أشرار الناس بالإخافة

 

والزجر, وعاقب المسيئ على قدر جرمه وتحمله، فخير الأمراء: هو الذي يكون معه المحسن راجيا, والمسيء خائفا، وشر البلاد بلد لا يسلم فيه البريء،

 

واحترس أن تنحرف أو تخطئ فتحدث فتنة بذلك أو تجر ضررا عليك أو علىى رعيتك، قال الشاعر: ضلال الرئيس المقتدى بفعاله * ضلال ألوفٍ لا ضلالة واحد.

 

ولتعلم أن مصالح الأمة أمانة في عنقك فصدق ظنهم فيك وحقق ثقتهم بك, ولا تفارق العدل في الظاهر والباطن، كي يظلك الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، فعدل السلطان أنفع من خصب الزمان. العدل كالغيث يحيي الأرض وابله * والجور في الحكم مثل النار في الحطب.

 

واعلم أن رضا الناس غاية لا تدرك فما يُرضي هؤلاء يُسخِط آخرين، فلا تطلب رضا الناس بسخط الله تعالى فمن طلب رضا قوم بسخط الله سخط الله عليه وأسخطهم عليه، وإنما النجاة في تقوى الله تعالى والعدل بين عباده والتخلص من حقوقهم، ولا تغتر بكثرة الثناء عليك، وإن أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع.

 

واعلم أنك إذا عينت وزراء أو أمّرت أمراء فقد أشركتهم في أمرك، فإن صلحوا أصلحوا, وإن فسدوا أفسدوا، فالحذر الحذر، أبعد عنك الأشرار فإن جميع عيوبهم منسوبة إليك,

 

واختر من الموظفين ومن العمال من يدلك على الخير ويعينك عليه، وولِّ على الناس خيارهم، ولا تولّ على المسلمين من يشق عليهم أو من لا يهتم بمصالحهم فتعرض نفسك للويل وملكك للزوال، ولا تولّ ظالما أو خائنا فإنه كالذئب يسترعى في الغنم، فإن تعذرت العدالة بحيث لا يوجد عدل فولِّ على الناس الأقل ضررا فأن تولية غيره يضيع بسببها أكثر مصالح الناس.

 

اتق الظلم فإنه ظلمات مذموم ومشؤوم، وعواقبه وخيمة، فمن طال عدوانه زال سلطانه, وفي صحيح البخاري: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قالوا كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، ففي هذا الحديث تحذير شديد من تضييع الأمانة، ومن ذلك إسناد أي وظيفة لمن لا يقدم ولا يؤخر فيها، ويقال: أربعة لا يثبت معها ملك: غش الوزير, وسوء التدبير, وخبث النية, وظلم الرعية.

 

واعلم أن كل ظلم علمته من عمالك وسكت عنه كان منسوبا إليك وستسأل عنه وتحاسب عليه في الآخرة، وقد تحاسب عليه في الدنيا، فالظلم إذا اشتد على الرعية ضجت وثارت وحينئذ لا يدرى على من تدور الدائرة، ولا ريب أنك علمت هذا من أخبار الأمم الغابرة، ورأيته بعينك في الشعوب الثائرة المعاصر، وليس من رأى كمن سمع.

 

تذكر قول رسول قيصر إلى عمر رضي الله عنه حين سأل عن عمر فوجده نائما على الأرض والعرق يتحدر من جبينه: (رجل تهابه جميع ملوك الأرض وتكون هذه حالته! لكنك يا عمر عدلتَ فأمنتَ فنمتَ، وملكنا يجور فلا جرم أنه لا يزال خائفا، أشهد أن دينكم لدين الحق…)، وقد كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه: إن مدينتنا قد تهدمت فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالا نرمها به فعل, فكتب إليه عمر: إذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل ونقِّ طرقها من الظلم فإنه عمارتها والسلام.

 

ولا ينبغي للسلطان أن يكون سفيها ومنه يلتمس الحلم, ولا أن يكون جائرا ومنه يلتمس العدل, ولا أن يكون كاذبا لأن الكذاب لا يرجى خيره, ولا يخشى شره.

 

فاشتغل بإصلاح نفسك كي يتعدى الإصلاح لرعيتك، وتأمل في محتوى الصحيفة الآتي ذكرها: أذن عبد الملك ذات يوم في الدخول عليه إذنا خاصا لا يدخل عليه إلا خاصة الناس, فدخل مع الخاصة شيخ رث الهيئة لم يأبه له الحرس فألقى أمام عبد الملك صحيفة وخرج فلم يدر أحد أين ذهب, وأخذ عبد الملك الصحيفة فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم, يا أيها ألإنسان إن الله قد جعلك بينه وبين عباده فاحكم بينهم {بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}، {ألا يظن أولائك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين} {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود}، إن اليوم الذي أنت فيه لو بقي لغيرك ما وصل إليك {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا} وإني أحذرك يوم ينادي المنادي: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم}، {ألا لعنة الله على الظالمين}، فلما قرأها عبد الملك تغير وجهه ولم تزل الكآبة في وجهه بعد ذلك أياما.

 

وقد قال أحد الزهاد يوما للمنصور: يا أمير المؤمنين: إن كنت إنما تجمع المال لولدك فقد أراك الله عبرا في الطفل يولد وليس له مال, وما من مال إلا ودونه يد شحيحة, فما يزال الله يلطف به حتى يعظم شأنه… وإن قلت: إنما أجمع المال لتشييد السلطان فقد أراك الله عبرا في بني أمية فما أغنى عنهم ما جمعوا، وإن قلت: إنما أجمع المال لغاية هي أجسم من الغاية التي أنا فيها فوالله ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة لا تدرك إلا بخلاف ما أنت عليه…

 

ودخل رجل على هشام بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين: احفظ عني أربع كلمات فيهن صلاح ملكك واستقامة رعيتك, قال وما هن؟ قال: لا تعد عدة لا تثق من نفسك بإنجازها, ولا يغرنك المرتقى وإن كان سهلا إذا كان المنحدر وعرا, واعلم أن للأعمال جزاء فاتق العواقب, وأن للأمور بغتات فكن على حذر.

 

ولما ولي هشام بن عبد الملك الخلافة أقبل عليه وفد من العرب فقالوا: نحن وفد العرب جئنا للشكوى وقد أصابنا الجدب فقال لهم هشام: سأنظر في أمركم إن شاء الله، فهب من بين القوم أصغرهم سنا وقال: يا أمير المؤمنين: إن شكوانا لا تحتمل الانتظار، وقد أصابتنا سنين ثلاث أذابت الشحم وأكلت اللحم ودقت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله فأنفقوا من مال الله على عباده، وإن كانت لهم فردوا عليهم أموالهم، وإن كانت لكم فتصدقوا عليهم بها إن الله يجزي المتصدقين، قال هشام: لله درك لم تدع لنا عذرا في واحدة.

 

اللهم ولِّ أمورنا خيارنا، ولا تولِّ أمورنا شرارنا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة ووفقهم للخير وأعنهم عليه يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}.