هل تتجه بلادنا منحى الكفاءة السياسية…؟ / عبد الله ولد اكوهي

في اللغة الكفاءة تعني: المماثلة في القوة والشرف.
وأما اصطلاحا الكفاءة في العمل فتعني التمتع بقدرة فطرية على أداء عمل محدد يماثل أداء المحترفين les professionnels أي أنها قدرة ذاتية أو خلقية في الشخص.. عكس مفهوم الخبرة أو القدرة المكتسبة عبر ممارسة زمانية تراكمية وكما أن لها تعريفات اختلافية أخرى متعددة.

وتعد الكفاءة مطلبا إنسانيا حضاريا كشرط من شروط استخلاف الإنسان على البسيطة. وكمعيار عملي لتطبيقه نواميس هذا الاستخلاف وفي كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري كانت الأمم التي تستطيع سبر أغوار كفاءة الإنسان الذاتية وفهمها وفهم ما يرتبط بها أو ما تقوم عليه من أسس ومتطلبات كانت تحقق أفضل غاياتها دون غيرها من الأمم وتاريخ الحضارات الإنسانية غني بالكثير لخير مثال.

والكفاءة متنوعة ومتعددة بتعدد حاجات الفرد أوالجماعة  أوالشعب أوالأمة. وبعد تعدد وتنوع الكفاءة الذاتية تأتي الكفاءة السياسية لما لها من أهمية كبيرة وتأثير واسع النطاق على الوجود الإنساني باعتبارها واحدة من بين أهم مقومات بناء الدولة وتحديد حجمها وقوتها بين دول العالم الأخرى.

صحيح أن من الشائع هو أن متطلبات العمل السياسي ليست بالضرورة مرتبطة بالمستويات الأكاديمية العالية باعتبار أن السياسة ممارسة حياتية للفرد بواسطتها يحقق أهدافه وطموحاته وبالتالي الإنسان بطبعه سياسي لكن الفكر الإنساني الذي أسس حضارات قوية وعظيمة لم يقف عند هذه المسلمة وذهب للبحث ودراسة هذه المجال وعلاقته بشؤون الفرد وعلاقته بالدولة فجاء أرسطو وسقراط وأفلاطون منذ آلاف السنين كل بنظريته السياسية المختلفة وأتذكر أن واحدا منهم قال حكمة: “إن الإنسان بدون الدولة بهيم”.

وكذلك الحال جاءت كل من: الحضارة الهندية الصينية الفارسية الرومانية وكان لمفكريها ومنظريها أقوالهم وآراؤهم في السياسيةوالحكم. وعلى هذه المبادئ أو الأسس أقاموا أعظم حضارات في التاريخ ستظل خالدة إلى ما شاء الله.. وفي مرحلة النهضة الأوروبية وامتدادها إلى عصر الحداثة ثم إلى عصر المعاصرة شهد العالم ثورة فكرية شاملة في مقدمتها ثورة الفكر السياسي وأصبحنا اليوم نقرأ ما يعرف بـ” علم السياسة” أي أن الأمر تحول إلى “فن” له نظرياته ومعادلاته العلمية وقوانينه الرياضية والحسابية المنظمة.. لذلك نستطيع أن نسميه عملية تغيير من حالة فطرية أو طبيعية إلى حالة مركبة complexe أكثر تطورا وأدق أداء.

وبالتالي لم تعد لدى الأوروبيين تلك الكفاءة السياسية في موضع القدرة الفطرية وحسب وإنما أيضا في موضع القدرة المركبة معا.. بمعنى الذي لا يمتلكها فطريا تزرع له كفاءة سياسية في معاهد ومراكز تدريب مزودة بمناهج وبرامج علمية متخصصة لهذا الغرض كما تزرع الكلية أو الكبد في المستشفيات المتخصصة.

لهذه الأسباب وغيرها، غادر الأوروبيون نوع وشكل الصراعات التي نخوضها نحن اليوم في مجتمعاتما مثلما غادروا هم من قبلها الأمراض الصحية التي تواجهنا اليوم فلم يعد لديهم مرض السل أو الملاريا أو شلل الأطفال أو…أو…!!.

وهكذا نرى أن الكفاءة غدت جزءا أصيلا من مكونهم الثقافي ومن رحم هذه الثقافة خرج المبدعون الذين وصلت اختراعاتهم في جميع العلوم النظرية والعلمية إلى أرجاء العالم.. أسهموا بصورة رئيسية في صناعة العالم المعاصر الحديث الذين نحن فيه مجرد سوق(العولمة) فقط نستهلك ما يصنع ومجرد ميدان مفتوح لتطبيق نظرياتهم العلمية( التفوق التقني والتكنولوجي )..

وقد استطاعوا تغيير وجه العالم بل واستطاعت دولة واحدة منفردة أن تقود عالمنا اليوم وفق ما تقتضيها مصالحها.. يقول المختصون في السياسية الدولية أن من ضمن عوامل تبوأ الولايات المتحدة الأميركية مكانة الدولة الأكبر والأقوى في عالم إلى يوم الناس هذا هو تميز منظومتها السياسية بجعل الكفاءة السياسية شعارا ممارسا على الواقع وخاصة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأ العالم يلمسها بشكل قوي في عهد الرئيس Roosevelt الرئيس رقم 26 للولايات المتحدة الأمريكية.